وأما حاله مع إخوانه من الأنبياء فقد كان النبي e يذكر فضلهم ويُذكِّر أمته بذلك ، متواضعاً عند ذكره لهم ..
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود t قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ e قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ : إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. قَالَ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ e فَسَارَرْتُهُ فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا وَاحْمَرَّ وَجْهُهُ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَذْكُرْهُ لَهُ، ثُمَّ قَالَ :«رَحِمَ اللهُ أَخِي مُوْسَى، قَدْ أَوُذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» ([1]).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ :«نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: }رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوْ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي{، وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ» ([2]).
ومما لا ريب فيه أنّ الأنبياء متفاضلون عند الله ؛ لقول الله تعالى :}تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ{ [البقرة :253] ، ولقوله: }وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ{ [الإسراء :55] .
كما أنَّ مما لا شك فيه ألبتة أنّ نبينا e أفضل الأنبياء، وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام .
قال الحافظ في الفتح: " إِذَا لَمْ نَشُكّ نَحْنُ فَإِبْرَاهِيم أَوْلَى أَنْ لَا يَشُكّ ، أَيْ لَوْ كَانَ الشَّكّ مُتَطَرِّفًا إِلَى الْأَنْبِيَاء لَكُنْت أَنَا أَحَقّ بِهِ مِنْهُمْ ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَمْ أَشُكّ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَشُكّ . وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا مِنْهُ ، أَوْ مِنْ قَبْل أَنْ يُعْلِمهُ اللَّه بِأَنَّهُ أَفْضَل مِنْ إِبْرَاهِيم» ([3]).
وفِي حَدِيث أَنَس عِنْد مُسْلِم " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ e : يَا خَيْر الْبَرِّيَّة. قَالَ :«ذَاكَ إِبْرَاهِيم» ([4]).
وعن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ :«لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» ([5]).
قال النووي رحمه الله :" قال العلماء : هذه الأحاديث تحتمل وجهين : أحدهما أنه e قال هذا قبل أن يعلم أنه أفضل من يونس، فلما علم ذلك قال :«أنا سيد ولد آدم» ولم يقل هنا إنَّ يونس أفضل منه أو من غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
والثاني أنه e قال هذا زجراً عن أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئاً من حط مرتبة يونس e من أجل ما في القرآن العزيز من قصته. قال العلماء : وما جرى ليونس e لم يحطَّه من النبوة مثقال ذرة، وخصَّ يونس بالذكر لما ذكرناه من ذكره في القرآن بما ذُكِر"([6]).


[1] / البخاري (5635) ، ومسلم (1062) .

[2] / البخاري (3121) ، ومسلم (151) .

[3] / الفتح (6/412) .

[4] / مسلم (2369) .

[5] / البخاري (3144) ، ومسلم (2376) .

[6] / شرح النووي على مسلم (15/132) .