سبق" ترصد قصص فتيات في إحدى عيادات الإقلاع عن التدخين: مراهقة ضحية أول سيجارة
استشاري نفسي : الفتيات أكثر عرضة للتأثر بالدعاية والرغبة في محاكاة الشهيرات
"سبق" ترصد قصص فتيات في إحدى عيادات الإقلاع عن التدخين: مراهقة ضحية أول سيجارة
ريم سليمان – دعاء بهاء الدين – سبق – جدة: بعدما كان تدخين السعوديات يتم في الخفاء وبعيداً عن الأعين، فجأة وبلا مقدمات خرج إلى العلن وبدأ يتفشى يوماً بعد يوم ومن مدينة إلى أخرى، بل انتقل التدخين من المجتمعات المخملية إلى الطبقات الوسطى، ومن الأغنياء إلى الموظفات، ولن يكون غريباً بعد الآن أن نجد فتيات مدخنات في السيارات وطالبات في مقاه يدخنّ الشيشة.
وفي هذا السياق كشف تقريرٌ أعدّته الجمعية الخيرية للتوعية بأضرار التدخين بمكة المكرّمة أن نسبة المدخنات في السعودية تجاوزت 5.7 % من جملة الإناث في المملكة؛ ليصل عددهن قرابة مليونٍ ومائة ألف مدخنة، الأمرُ الذي يجعل المملكةَ تحتل المرتبة الثانية خليجياً والخامسة عالمياً من حيث عدد النساء المدخنات.
شحنة توتر
"سبق" التقت مجموعة من الفتيات المدخنات وسألتهن عن الأسباب التي تدفعهن للتدخين، وعن نظرة المجتمع للمرأة المدخنة.
أثناء تجوّل "سبق" في إحدى عيادات الإقلاع عن التدخين صادفنا فتاة في مرحلة المراهقة سردت لنا مأساتها قائلة: قبل الاختبارات أعاني أزمة نفسية وتوتراً يسيطر على كياني فأستسلم له وتطاردني أحلام مزعجة، ذات يوم أعطتني صديقتي سيجارة شعرت بين دخانها بالراحة النفسية كأني أتخلص من شحنة التوتر والغضب، ومع استمرار المذاكرة لفترة طويلة من الليل أشعر برغبتي الجامحة في تدخين سيجارة، وعند تناولها أشعر بتوتر وأفتقد القدرة على التركيز.
وتابعت: أذهب إلى الاختبارات يغمرني الأمل بالنجاح إلا أنني أعاني تشتت الذهن، وقد انتهت الاختبارات ولم أحقق ما أصبو إليه من درجات، بل شعرت بالفشل وانتابني صداع وفقدت وزني بشكل ملحوظ، كرهت حياتي واتخذت قراري بالعلاج كي أستعيد حيويتي مرة أخرى.
فيما قالت "نوف": حتى التدخين "تحرمونه"؟ وتساءلت: لماذا كل هذه الاستفهامات على المرأة المدخنة؟ فنحن لم نقم بشيء غريب أو جديد على المجتمع فالأمهات المدخنات ألم يكن يوماً فتيات مدخنات أيضاً؟
وعن دافع تدخينها أجابت: وجدت في السيجارة راحة عندما شربتها أول مرة من إحدى زميلاتي في دورة مياه المدرسة، واعتدت شربها في فترة المذاكرة لزيادة التركيز.
إدمان فتاة
وبكت أم لطالبة في المرحلة المتوسطة وحكت لـ "سبق" المصير الذي وصلت له ابنتها التي تعاني الإدمان وما زالت تعالج منه، قائلة: ابنتي كانت ضحية أول سيجارة شربتها من رفيقة سوء، واعتادتها إلى أن صارت مثل"الكيف" وعندما علمت بتدخينها تحدثت إليها ولكنها قالت لي: إنها لن تشرب إلا مرات معدودة، وصدقتها، بيد أني فوجئت أن ابنتي تطور بها الحال حتى صارت من "فتيات الشمة"، التي للأسف أصبحت موجودة وبشكل كبير داخل مدارسنا.
وسكتت عن الكلام فترة، ثم قالت: أستحلفكم بالله أن تحافظوا على بناتنا من خطر التدخين الذي هو بداية المصائب وأن يتم وضع عقوبات رادعة لشركات التبغ التي تدمر بناتنا وشبابنا.
خادش للأنوثة
في البداية أرجع استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان بمستشفى الأمل الدكتور علي جابر السلامة، أسباب تدخين الفتيات إلى الحساسية المفرطة اللاتي يتميزن بها، خاصة في مرحلة المراهقة، مشيراً إلى أن مظاهر تلك الحساسية تتمثل في شعور الفتاة بالقلق وفقدان الإحساس بالأمان لأضعف الأسباب، معتبراً أن التدخين يبث فيهن وهم الإحساس المؤقت بالراحة النفسية.
وقال: من الأسباب الأخرى لتدخين الفتيات رغبتهن في الانتماء للمحيط الاجتماعي اللاتي يعشن فيه، موضحاً أنه إذا كانت الفتاة تعيش في مجتمع أسري يعتبر التدخين نوعاً من أسلوب الحياة العصرية، فسوف تتأثر به سلبياً وتقوم بالتدخين رغبة في الانتماء لهذا المجتمع، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ أن التدخين وسيلة فعالة للحفاظ على رشاقتهن باعتباره سبباً في فقدان الشهية.
وأضاف أن الفتيات أكثر عرضة للتأثر بالدعاية والرغبة في محاكاة الشهيرات، خاصة في مرحلة المراهقة، مشيراً إلى أن الفتيات اللاتي يقمن علاقات مع شباب مدخنين تسنح لديهن الفرصة لأن يخضن غمار التدخين باعتباره وسيلة جذب للحبيب، بيد أن معظم الشباب لا يفضلون الفتاة المدخنة لأن التدخين يخدش الأنوثة كسلوك.
وحول تأثير التدخين على جمال الفتاة، حذر السلامة من أنه يقلل من نضارة الوجه فيؤثر على لون الشفاه واللثة والأسنان فضلاً عما ينجم عنه من رائحة كريهة، أو ما يخلفه من آثار تظهر في تجاعيد الوجه.
وأفاد أن النيكوتين الموجود في أوراق التبغ من أشرس المواد الإدمانية (المسببة للاعتمادية) فهو يفوق قوة إدمان الخمر بست مرات، والكوكايين بمرتين ويوازي قوة إدمانية الهيروين إن لم يتفوق عليها، مؤكداً أن الفتيات أكثر عرضة للاعتماد على النيكوتين من الشباب.
وهم السيجارة
واعتبر السلامة أن موسم الاختبارات فترة خصبة لإيهام الطالبات بقدرة السيجارة على تهدئة الأعصاب، والتركيز في المذاكرة، مشيراً إلى ما أثبتته البحوث العلمية الرصينة من "وهم تأثير التدخين" على قدرة الاستيعاب، وأكد أن تأثير السيجارة التي تمسك بها الطالبة الآن ما هو إلا تغطية لانسحاب تأثير السيجارة السابقة فقط لا غير، وتظل الطالبة في دوامة الاحتياج لسيجارة تلو الأخرى للحصول على الوهم فقط لا غير وليس للحصول على الهدوء المطلوب.
وزاد استشاري علاج الإدمان أن التدخين أحد أسباب ضعف الجهاز التناسلي لدى المرأة المدخنة، وقد يكون سبباً في عدم حدوث الحمل من الأساس، مبيناً أن المرأة المدخنة تزداد نسبة تأخر حملها إلى الضعف مقارنة بغير المدخنة وتزداد نسبة كونها عاقراً بنسبة 30 % عن غير المدخنة.
ونفى أن يكون التقليل من عدد السجائر أو تغيير نوعها أو استبدالها بالشيشة، يقلل من مخاطر التدخين، مؤكداً أن الحل الأمثل يكمن في ترك التدخين نهائياً لتقليل المخاطر الصحية على الأم والجنين، ناصحاً الحامل بعدم الجلوس في محيط المدخنين تجنباً للتدخين القسري الذي لا يهتم به الكثيرون رغم خطورته.
قتل الخلايا
فيما أوضح الدكتور شريف رفعت، استشاري أمراض الصدر والباطني في مستشفى جدة الوطني الجديد أن التدخين يتساوى فيه الطفل مع الرجل مع المرأة مع الشاب، وأنه ليس مرتبطاً بثقافة معينه، والدليل على ذلك نجد الجاهل والعالم والطبيب مدخنين، وبرغم معرفة علماء الدين بحرمة التدخين، تجد البعض لا يستطيع الاستغناء عنه.
وأرجع رفعت كبر شكل المرأة عن سنها إلى التدخين، فخلايا الجلد عند المدخن تموت بسرعة بسبب التدخين، كما أن أمراض القلب وتصلب الشرايين وأمراض الرئة لها علاقة مباشرة بالتدخين، كما أن الجهاز البولي والكلى يتأثران بشكل مباشر بالتدخين، مشيراً إلى أن القدرة على الإنجاب والخصوبة لدى المرأة تتأثر بالتدخين، لذلك نرى نسبة خصوبة المدخنات في سن المراهقة بعد الزواج تقل بنسبة 30 % عن غير المدخنات، وحذر من أن التشوهات الخلقية بالنسبة لجنين المرأة المدخنة أكثر بكثير من المرأة العادية.
وبين أن الطفل المولود من امرأة مدخنة تصبح مناعته في مقاومة الأمراض تختلف تماماً عن المرأة الأخرى، معتبراً أن المرأة المدخنة أكثر خطورة من الرجل المدخن لأن المرأة المدخنة تضر جيلاً كاملاً وتنتج أطفالاً ضعفاء تكون قدرتهم على مقاومة الأمراض الرئوية والحساسية أضعف ونسبة التشوه أكبر.
وأكد دكتور شريف أن البيت الذي توجد فيه امرأة مدخنة فيه دعوة لكل من في المنزل لممارسة التدخين، مؤكداً أن 97 % من أمراض السرطان يكون لها علاقة بالتدخين.
عيادات للمكافحة
من جهتها أكدت استشارية طب الأسرة ومنسقة مكافحة التدخين في الرعاية الصحية الأولية بجدة دكتورة منال شمس أن وزارة الصحة أسست عيادات لمكافحة التدخين، وسيتم خلال هذا العام افتتاح عيادات أخرى، بالإضافة إلى العيادات الأهلية ودورها الفعال في المساعدة على الإقلاع من التدخين.
وعن أسباب ارتفاع أعداد المدخنات تقول شمس: إن البعض يعتبرونها وسيلة للتعبير عن الحرية والمدنية، كما أنها أصبحت عادة لدى النساء بسبب ترددهن على الكافيهات لتناول النارجيلة، مؤكدة أننا نسعى إلى العلاج عن طريق التوعية ومحاولة تغيير نمط الحياة والربط بين الدخان وبين الأمراض التي باتت موجودة في مجتمعنا الآن.
|